وبدأ الانهيار الذي توقعناه .. بقلم: د.أمل الكردفاني

3 أبريل 2018 | صحيفة السودان

منذ بداية الازمة كتبت مقالا وضحت فيه ان الدولة على وشك الانهيار وان اول مظاهر هذا الانهيار ستظهر في ازمة الوقود … وهذا ليس تنبوءا بالغيب فهناك فرق بين التنبوء بالغيب الذي لا يبنى على مقدمات منطقية بل مجرد حدس وبين استشعار المستقبل بناء على مقدمات صحيحة .

كتبنا في ذلك الوقت ان الدولة ترفض اعلان افلاسها واشهاره ، ربما خوفا من الدائنين او لأسباب اخرى ، وبينا ان شركات التقييم الدولية قد اخرجت السودان من التقييم الائتماني العالمي تماما ، بالاضافة الى انعدام اي احتياطي من العملة الحرة او الذهب ، فأموال البترول تم اختلاسها من الكبار وتم اخراج مليارات الدولارات الى الخارج ، والذهب الذي ظهر اخيرا يتم تهريبه بواسطة الكبار ايضا الذين يحاولون تأمين مستقبلهم ومستقبل ابنائهم وأحفادهم اذا وقعت الواقعة. الحكومة اسقط في يدها واخذت تصدر يوميا سياسات متضاربة ، وانتهى بها الامر الى تحجيم تداول العملة الوطنية مما زاد من تفاقم الازمة وتعمقها .

المتضررون من المواطنين انشأوا صفحة على الفيس تتابع ماكينات الصرف الآلي الخالية على وفاضها ليعينوا بعضهم البعض اذا ما تم تزويد احدى الماكنات بالمال… بالتأكيد ادت هذه السياسات المضطربة الى تراجع كل من يملك نقودا محلية او عملة صعبة عن ايداعها بالبنوك ومنع المغتربين من التحويلات البنكية ، مما فاقم ازمة الدولة في توفير الدولار ومن ثم قدرتها على توفير السلع الاساسية واولها واهمها مصادر الطاقة ، وكعادة الحكومة التي تبحث عن رزقها يوما بيوم فقط كالدواب ، لجأت الى اصدقائها القطريين والاتراك ولكن القضية اعمق مما تتصوره الحكومة.

الرئيس البشير شعر بأنه مهدد وأن هناك مؤامرة تحاك ضده من قبل الاسلاميين عبر تجفيف الدولة من النقد الأجنبي ، لكن الرئيس نسي ان هذا التجفيف ليس وليد اليوم او البارحة ؛ فهذا التجفيف بدأ منذ ان امسك هو والاسلاميين بتلابيب السلطة ومليارات الدولارات التي تجاوزت المائة والثلاثين مليون دولار الناتجة عن البترول اختفت كما تختفي حمامة الحاوي في القبعة … يصرخ البشير الآن وهو يرى تداعي ما قدمت يداه هو والاسلامويين وبطانته العميقة والتي تتماس وقطر الدائرة ، ويعلن حربا وهمية على الفساد ويتم القبض على فاسدين صغار وتشويه سمعتهم لجمع بضعة مليارات تعينه على سد مؤقت لفجوة العجز المتفاقمة .

لكن لا توجد اي محالاولات جادة للتوبة الحقيقية التي تسمح بمكافحة حقيقية للفساد ، والا لكنا سمعنا عن القبض على مئات من بطانة الرئيس والاسلامويين وتم استرجاع المال المهرب من الخارج لحل الازمة ؛ وهذا بالتأكيد يحتاج لتوبة نصوحة والتوبة النصوحة تحتاج لشجاعة كبيرة ، وبالتأكيد يفتقد هؤلاء جميعهم للشجاعة.

ما يحدث الان من عمليات قبض واعتقال لبعض الفاسدين الصغار هم في الواقع اكباش فداء وربما يكون الامر تصفية لخصومة سياسية اكثر منها مكافحة للفساد .

نعم قد ترسل تركيا باخرة او باخرتي نفط وقد تحاول قطر ضخ بضعة ملايين من الدولارات ولكن هل هذا هو فعلا المنقذ من الانهيار؟ بالتأكيد لا فهذه ليست سوى صدمات كهربية لانعاش قلب تأكد توقفه عن النبض ، فالسودان صار طاردا تماما ليس فقط للمستثمرين الاجانب بل حتى للمستثمرين السودانيين الذين تركوا السودان وبدأوا الاستثمار في الدول المجاورة كأثيوبيا ومصر .

بل وازيدكم من الشعر بيتا ان من يريد ان يفتح كنتينا صغيرا لبيع الصعوط سيفكر الف مرة قبل ان يفعل ذلك جراء انهيار سعر الجنيه السريع والمتواصل …

ازمة الوقود قد تعالج مؤقتا لبضعة اشهر ولكن اصل المشكلة موجود وهو انهيار الصادر الوطني في مقابل اتساع الاستيراد من الخارج مع عمليات فساد وغسيل اموال مليارية لتهريب الاموال والذهب خارج السودان بمعرفة النافذين من اولي الشوكة…

المهم في الامر اننا سنعاني من تتابع الازمات لما لا يزيد عن سنتين قبل ان يضحى انهيار الدولة أمرا مكشوفا للجميع ومن ثم اعلان افلاس الدولة…

لكن الاخطر من ذلك ليس الجوع الذي سيعاني منه المواطن ، ولا توقف المصانع ولا تجمد الزراعة ، ولا انعدام الطاقة ، الاخطر من ذلك ان هناك عشرات الآلاف من مقاتلي المليشيات الذين يحوذون سلاحا فتاكا وفي نفس الوقت لن يتحملوا عدم قدرة الحكومة على اطعامهم ، لقد رأينا ما حدث من عمليات نهب واغتصاب وقتل من قبل هذه المليشيات حين تهاجم القرى وهي جائعة كالوحوش المفترسة ، هؤلاء لن يتوانوا عن الانقضاض على المواطنين ومن ثم حدوث انفلاتات امنية قد لا تصيبن الذين ظلموا منهم خاصة بل قد تطال المدن وحتى العاصمة ، وكما جاء في تقرير احد المراكز البحثية الامريكية فإن صوملة السودان ستبدأ من العاصمة وليس من الاقاليم …

ان الوضع كارثي تماما لكل ذي مسكة من عقل سليم ولكل ذي بصيرة ، ولم يعد امامنا من نصيحة نسدي بها الى القوى السياسية لأن طوفان الانهيار اكبر منهم جميعا حكومة ام معارضة ، ولكن النصيحة نسديها لكل مواطن بأن يبحث عن الوسيلة المناسبة لتأمين نفسه وعياله منذ الآن وياروح ما بعدك روح.

amallaw@hotmail.com

تعليقات الفيسبوك

1 نجمة2 نجمتان3 نجوم4 نجوم5 نجوم (لم يقيّم بعد)
Loading...





كتبه في يوم 3 أبريل 2018. تحت تصنيف الأخبار, مقالات.

التعليق مغلق

الأخبار المحلية

انتشار كثيف للسماسرة والدولار يواصل الصعود بالسوق الموازية

الخرطوم – شهدت السوق الموازية ارتفاعاً ملحوظاً في أسعار العملات الاجنبية، وكشفت جولة “الانتباهة” عن انتشار كثيف للسماسرة ويحملون كميات…

1 سبتمبر 2019 / التعليقات على انتشار كثيف للسماسرة والدولار يواصل الصعود بالسوق الموازية مغلقة / التفاصيل

الصادق الرزيقي: ما أشرفها من معركة

التربية والتعليم في السودان تنفي أي اتجاه لتجميد العام الدراسي “ليلة الدخلة” .. نساء يتحدثن عن تجربة زواجهن الفاشلة بسبب…

29 أغسطس 2019 / التعليقات على الصادق الرزيقي: ما أشرفها من معركة مغلقة / التفاصيل

النائب العام عبد الله أحمد عبد الله عوض السيد يؤدي القسم

الخرطوم -أدى القسم أمام رئيس المجلس العسكري الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان عبد الرحمن، بالقصر الجمهوري اليوم السيد عبد…

20 يونيو 2019 / التعليقات على النائب العام عبد الله أحمد عبد الله عوض السيد يؤدي القسم مغلقة / التفاصيل

المجلس العسكري: لن ننتظر «الحرية والتغيير» طويلاً ولن نسمح بتسليم السلطة إلى الشيوعيين

الخرطوم – قالت مصادر مقربة من المجلس العسكري السوداني لـ«الاتحاد» إن المجلس لن ينتظر قوى الحرية والتغيير طويلا، وأنه لن…

20 يونيو 2019 / التعليقات على المجلس العسكري: لن ننتظر «الحرية والتغيير» طويلاً ولن نسمح بتسليم السلطة إلى الشيوعيين مغلقة / التفاصيل

النيابة توجه تهماً للرئيس المخلوع عمر البشير

الخرطوم – وجهت نيابة مكافحة الفساد في التحقيقات المالية بالخرطوم ، اليوم تهما تندرج تحت مواد النقد الاجنبي  والثراء الحرام…

16 يونيو 2019 / التعليقات على النيابة توجه تهماً للرئيس المخلوع عمر البشير مغلقة / التفاصيل

الحكومة: ضحايا الإحتجاجات من المدنيين والنظاميين 19 من القتلى وإصابة 406

قال المتحدث باسم الحكومة السودانية، بشارة جمعة أرور، إن جملة الوفيات التي حدثت خلال الأحداث الأخيرة التي شهدتها عدة ولايات…

27 ديسمبر 2018 / التعليقات على الحكومة: ضحايا الإحتجاجات من المدنيين والنظاميين 19 من القتلى وإصابة 406 مغلقة / التفاصيل

بحث في الإرشيف

ابحث حسب التاريخ
ابحث حسب التصنيف
ابحث في قووقل

تسجيل الدخول | تصميم عدن النيل

By continuing to use the site, you agree to the use of cookies. more information

The cookie settings on this website are set to "allow cookies" to give you the best browsing experience possible. If you continue to use this website without changing your cookie settings or you click "Accept" below then you are consenting to this.

Close